المنبعَ الرئيسَ لهيمنةِ الشعورِ بالذنبِ على أكثرِ الأمهاتِ، ليسَ في وجودِ تقصيرٍ حقيقيٍّ تِجاهَ أطفالِهنَّ، إنما هو تلكَ الفكرةُ المبالغُ فيها عنِ الأمومةِ المثاليةِ، والتي تفترضُ تحولَهَا إلى ملاكٍ لا نهائيِّ الطاقةِ والتضحيةِ، يترفعُ عن كلِّ طمعٍ أو طموحٍ، يُكرِّسُ كلَّ ما يملِكُ من جهدٍ وطاقةٍ للأطفالِ.
وفي هذه الفكرةِ التقليديةِ ظلمٌ بَيِّنٌ لبشريةِ الأمهاتِ.
يَجدُ الذنبُ وَقودًا لا نهائيًّا من ضغوطِ الحياةِ المعاصرةِ، وطموحاتِها، التي أصبحَتْ فيها أكثرُ الأمهاتِ عاملاتٍ، لا تملِكُ إحداهُنَّ القدرةَ على منحِ طاقتِهَا المستنزفةِ هنا وهناكَ حصريًّا لأطفالِهَا.
ومعَ كلِّ موقفٍ سلبيٍّ يمرُّ بالطفلِ، تدخلُ تلكَ الأمُّ العاملةُ في حَلْقَةٍ مُفْرَغةٍ من تأنيبِ الضميرِ، وجَلْدِ الذاتِ، والشعورِ بالذنبِ.
فالطفلُ نحيفٌ لأنها قَصَّرَتْ في تغذيتِهِ بالشكلِ اللائقِ، وسمينٌ لأنها لمْ تُكرِسْ من وقتِهَا قَدرًا كافيًا لتعرِفَ كيفَ تُقدمُ لَهُ تغذيةً صحيةً،
وهو صامتٌ في أوقاتٍ كثيرةٍ، لأنها قصَّرَتْ في التفاعلِ معَهُ بالقدرِ الكافي، ولم يَنمْ جيدًا في اليومِ السابقِ، لأنهُ يمرُّ بكوابيسَ أثناءَ النومِ لعدمِ نجاحِهَا في منحِهِ الشعورَ بالأمانِ كما ينبغي ... إلى آخرِ ذلكَ.
استمع الآن.