قال الأصمعي: قيل لابن المقفع: مَن أدَّبك؟ فقال: نفسي؛ إذا رأيت من غيري حسنًا أتيتُهُ، وإن رأيتُ قبيحًا أبيتُه، ودعاه عيسى بن علي للغداء فقال: أعز الله الأمير، لست يومي للكرام أكيلًا. قال: ولِمَ؟ قال: لأني مزكوم، والزكمة قبيحةُ الجوار، مانعة من عِشرة الأحرار. ومن كلامه: شربت من الخُطب ريًّا ولم أضبط لها رويًّا؛ ففاضت ثم فاضت، فلا هي نظامًا وليس غيرها كلامًا.
ومما يؤثر عنه أنه قيل له: ما البلاغة؟ فقال: التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يُحسن مثلها. وقال إسحاق بن حسان بن فوهة، أنه قال: لم يفسر البلاغةَ تفسير ابن المقفع أحدٌ قَطُّ؛ سئل ما البلاغة؟ قال: البلاغة اسم جامع لِمَعانٍ تجري في وجوه كثيرة، منها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابًا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون شعرًا، ومنها ما يكون سجعًا وخُطبًا، ومنها ما يكون رسائلَ، فعامَّةُ ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى، والإيجاز هو البلاغة.