"أعدك أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي أكتب فيها عنك! وحين أقول لك أنها المرة الأخيرة، فهذا يعني أني أشيعك لا أوثقك! هذه الكلمات جنازتك، وأنا الآن أحملك إلى مثواك الأخير... أحفر قبرك سطراً سطراً، وأهيل عليك الحروف... هكذا أنا، إذا أردت أن أتخلص من امرأة كتبت عنها! ويسرني أن تكتشفي أني لم أعد أريد الاحتفاظ بك! أتركك خلفي غير آسف عليك كما يترك رحالة مخاضة من طين! أنفضك عني غير عابئ بك كما ينفض أعرابي غبار السفر عن أطراف ثوبه وبعد أن يأوي إلى خيمته، وها أنا آوي إليّ بعد سفري الطويل فيك ومعك، آن لي أن أستريح من سفر كان كله عناء وعثاء، آن لي أن أتحرر من براثنك، وأعيدك غريبة كما كنت، آن لي أن أنصب خيمة عزائك، لا لأتقبل العزاء بك، أنت عندي الآن أقل شأناً من هذا! ولكن لابد من خيمة عزاء لإتمام مراسيم موتك!هذه الكلمات خيمة عزائك، فعطم الله أجركِ بكِ! الموت موجعٌ يا وعد، ولكن الأكثر وجعاً هم أولئك الذين يموتون فينا وهم أحياء! ما أبشع أن يصبح قلب المرء قبراً لشخصٍ ما زال يمشي على الأرض! مررت البارحة بجانبك... كان ما بيننا من المسافة مقدار ذراع، وما بيننا من الجفاء مقدار ما بين الأرض والسماء، وأنا على قناعة الآن أننا لا نكره بجنون إلا أولئك الذين أحببناهم بجنون، أحببتك كأنه ليس بي أحد أحبه بعدك... وها أنا أكرهك كأنه ليس لي أحدٌ أكرهه بعدك! حكايتي معك كحكاية القرشيين مع أصنامهم! كانوا يصنعون آلهتهم من تمر، يعبدونها وجه النهار ويأكلونها آناء الليل، ليت أسناني تطالك، لكنت أكلتك، لا من الجوع، ولكن من البغضاء، ولكن الشيء المؤكد لدي الآن أننا نحن الذين نصنع أصنامنا ونختار جلادينا!".