في اللحظة التي غرقت بها (حنين) في النهر تغير كل شيء داخل (أمير الوكيل) للمرة الثانية خلال فترة قصيرة من حياته، فرحيل زوجته وابنته كان نقطة تحول وخطًّا فارقًا.. لم يستطع أبدًا العودة إلى الشخص الذي كان عليه من قبله، ثم جاء فشله في إنقاذ تلك الفتاة الصغيرة (حنين) وسقوطها من فوق الجسر لتلقى حتفها غرقًا أمامه وأمام أبيها وأمام الكثير من سكان المدينة.. ليُرسب ذلك الحدث داخل أعماقه ألمًا لم يتمكن أبدًا من تجاوزه رغم محاولاته العميقة بالتماسك ظاهريًّا.
ولن يتمكن.
فها هو يقف أمام المغسلة في الحمام الصغير بشقته الجديدة ليحلق ذقنه، وما أن نظر إلى نفسه في المرآة حتى تمتم قائلًا: لن أغفر لك، وكذلك لن تفعل تلك الصغيرة ولن يفعل أي أحد.
ثم خفض بصره إلى الأسفل، وكأنه يفر من لوم نفسه له ومن نظراته المعاتبة، ووضع رأسه تحت ثم خفض بصره إلى الأسفل، وكأنه يفر من لوم نفسه له ومن نظراته المعاتبة، ووضع رأسه تحت الماء المنهمر من الصنبور؛ متمنيًا لو أن هناك ثقبًا في أم رأسه بين خصلات شعره الأصهب ليتسرب منه هذا الماء البارد، فيتمكن من غسل زوايا عقله وتنظيفها جيدًا من الأفكار المجنونة التي تقفز داخلها، ومن نوبات الصداع التي تطعنه بلا رحمة جاعلة من ممارسته لأمور حياته العادية أمرًا في غاية الصعوبة.
فاليوم هو اليوم الثالث على التوالي الذي يعجز فيه (حارس جهنم أمير الوكيل) عن النوم لأكثر من ساعة واحدة، وبالرغم من ذلك لم يظهر على ملامحه المنحوتة من الرخام الصلب أي أثر للتعب أو الإرهاق، وكل ما في الأمر هو أنه قرر عدم الذهاب في هذا الصباح لممارسة العدو بين أشجار الحديقة العامة في طرف المدينة بالقرب من مكان سكنه بل سيتوجه مباشرة إلى مكتبه في إدارة البحث الجنائي.
وهناك سيكون عليه القيام بأمرٍ في غاية الأهمية وهو (محاربة الملل) الذي اختاره لنفسه طواعية فرارًا من ضجيج العمل في العاصمة.