ولعلك تذكر — وإن كنت قد نسيت فستذكر — أن النتيجة الواضحة التي انتهت إليها هذه الفصول كلها هي أنَّ هذا العصر، الذي انْحَلَّت فيه الدولة الأموية، وقامتْ فيه الدولة العباسية، قد كان عصر شك وعبث ومجون، أو كان الشك والعبث والمجون أظهر مُميزاته.
وأنا أعلم أن هذا لم يعجب الناس ولن يُعجبهم، وأنا أعلم أنَّهم كرهوا وسيكرهون أنْ يعمد كاتب إلى مثل هذه الناحية من نواحي الأدب العربي؛ فيدرُسها درسًا مُفَصَّلًا ويُظهر الناس على دقائقها وأسرارها، ولكني مع ذلك عمَدتُ إليها متى أتيح لي ذلك؛ لأني أعلم أن حياة القدماء كلها ملك للتاريخ، وأن درس هذه الحياة كلها نافع للمؤرخ والأديب بل واجب عليهما، وأنَّ من الإثم وتعمد الجهل أن نتكلف إخفاء ناحية من النواحي الأدبية ربما كانت أحق من غيرها أن تُدرس ويُعنى بها الباحثون، وما كان لي، ولن يكون لأحدٍ من الباحثين الذين يُقَدِّرون العلمَ وكرامته، أنْ نُغير التاريخ، أو أنْ نُظهر عصرًا من عصور الأمة العربية على غير ما كان عليه.