وهيراقليطس هو آخر الفلاسفة المعروفين بالأيونيين وأكبرهم، أحاطت به هالة من العظمة والوحدة والكبرياء والتفرُّد، جذبت المفكرين إلى شخصيته العجيبة على مدى العصور، وتمثلت فيه غضبة المفكر الذي يدقُّ ناقوس الخطر ليوقظ النيام ويرفع عصاه ليعيد موكب الجماهير إلى منبع الحكمة، نشأ في بيتٍ ثريٍّ نبيل، وتخلَّى عن وظيفة الكاهن الموروثة في أسرته إلى شقيقه الأصغر، ورفض أن يشارك في حكم المدينة التي وُلِدَ فيها، أو يشرِّعَ لها القوانين؛ لا عن أنانية أو تكبُّر، بل لاعتقاده بأن دستور هذه المدينة ومواطنيها قد بلغوا من الفساد حدًّا يعجز معه عن إصلاحهم: «من الخير للأفيزيين أن يشنقوا أنفسهم واحدًا واحدًا، وأن يتركوا المدينة لغير الذكور؛ فهم الذين طردوا هرمودوروس (أحد أصدقاء هيراقليطس) أكرم رجالهم قائلين له: ليس مِنَّا من يفضلنا في الكرامة، وإن وُجِدَ فينبغي له أن يعيش في بلدٍ آخر وعند قوم آخرين.»