لا يخلو فيلسوف من كلام في النفس الإنسانية، لأنها أقرب الأشياء إلينا، وهي إلى ذلك القرب شديدة الغموض، وقد طلب ابن سينا معرفة النفس منذ صدر شبابه، لأن "من عرف نفسه فقد عرف ربه" كما حدثنا في رسالة القوى النفسانية التي ألفها للأمير نوح بن منصور، فكانت أول مؤلفاته، وإذا كان الشيخ الرئيس قد استهل حياته الفكرية برسالة في النفس، فقد اختتمها أيضا بعد أربعين سنة من تأليف ذلك الكتاب، برسالة صغيرة في النفس الإنسانية، وألف فيما بين ذلك خلال هذه السنوات كثيرا من الرسائل النفسية، وكذلك الفن السادس من طبيعيات الشفاء، وهو كتاب النفس الذي يعد أوفى ما كتب في هذا الباب.
والدليل على أهمية كتاب النفس السينوي، وعلى أثره العظيم في العصر الوسيط، انه نقل إلى اللاتينية، فانتشر بين فلاسفة أوروبا انتشارا كبيرا، تشهد بذلك المخطوطات الباقية منه في مكتبات أوروبا حتى الآن، وتبلغ عدتها خمسة وأربعون، وخضع الفكر الأوربي لأثره منذ القرن الثاني عشر حتى القرن السابع عشر، حين ظهر ديكارت، وأخذ عن ابن سينا برهانه في إثبات وجود النفس.